مقالات

من القول الطيب- الطفولة في الإسلام رعاية وكرامة (2)

لا يوجد نظام فلسفي أو اجتماعي فطن للأهمية القصوى للطفل في حياة المجتمعات واستقامتها في الفكر والسلوك، بمثل ما فطن لها نظام الإسلام، فالإسلام هو الذي منح الطفل حقوقًا وهو لا يزال في عالم الذر، قبل أن يتخلق في رحم أمه، بل قبل أن يتزوج أبوه بأمه.

وفيما يتعلق بحياة الطفل قبل خروجه إلى الدنيا، ومنذ لحظة تكونه في رحم أمه تطالعنا أحكام شرعية غاية في الدقة والعُمق، تُرافق هذا الجنين طوال فترة مكثه حملًا في بطن أمه، وترتب له حقوقًا يأتي في مُقَدِّمتها حق رعايته، وحرمةُ الاعتداء على حياته بأي نوع من أنواع الاعتداء أو الأذى، وحقوقٌ أخرى كالميراث وغيره، ومما يتعلق بحق الحياة أيضًا.

ولا تتوقف أحكام الشريعة عند ولادة الطفل بل تصاحبه رضاعًا وفطامًا ويفاعة ورشدًا، كل ذلك في مساواة تامة بين الولد والبنت في المعاملة والاهتمام والمحبة والحنو والحنان، وفي عدالةٍ مطلقة في توزيع مشاعر الأبوين بالسوية على الأبناء، يقول أنس رضي الله عنه: «كان رجل جالسًا عند النبي ﷺ فجاءه ولدٌ له فأخذه وأجلسه في حجره، وجاءت ابنة له فأخذها فأجلسها، فقال النبي ﷺ: فهلَّا عدلت بينهما»، أي: هلَّا وضعتها في حجرك مثل ما وضعت أخاها!، وقد قبَّل النبي ﷺ مرة حفيده الحسن بن عليِّ، وعنده صحابي، اسمه الأقرع بن حابس، فقال هذا الصحابي للنبي ﷺ: «إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله ﷺ ثم قال: أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة!».

ويطول بنا المقام لو رحنا نتعرف على خطر قضية «الطفل» في الإسلام، أو نستعرض بعضًا مما زخرت به كتب الفقه والشريعة من أحكام وتوجيهات ووصايا وتحذيرات تتعلَّق بالطفل: جنينًا، ووليدًا، ورضيعًا، وفطيمًا، ونشأة، وتربية وتعليمًا.. إلى أن يصبح أهلًا للمسؤولية: الشرعية والتكليفية.

هذا وإن الأزهر الشريف في رسالته التنويرية للناس، ومنهجه الوسطي الذي يحرص على تعليمه لطلابه منذ أكثر من ألف عام، ليرحب بكل ما جاء في هذا الكتاب من دفاع عن حقوق الأطفال وحمايتهم من العنف بكل أشكاله وأنواعه مثل زواج الأطفال، والزواج القسري، وختان الإناث، وعمل الأطفال، واغتصابهم، وغياب المظلة الأُسرية، وأطفال الشوارع، والعنف الأسري ضد الأطفال، وعنف المدارس والمؤسسات التربوية والملاجئ الخيرية، واستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة والإتجار بالأطفال، والعنف الإعلامي ووسائل الاتصال الحديثة ضد الأطفال.

ولعل من توضيح الواضحات أن نلفت النظر إلى أن حقوق الطفل في المنظور الغربيِّ قد منحت الأطفال بعضًا من الحقوق لا يقرها المنظور الإسلامي، ومن هنا وجب ـ فيما يرى الأزهر – أن يُحدَّد مفهومُ حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوقِ الأطفال والمرأة بشكل خاص، في إطار ثوابت الشريعة الإسلامية إذا طولب من البلدان العربية والإسلامية أن توقع على الاتفاقيات الدولية للمرأة والطفل. وهذا أمر مهم وجدُّ خطير ليس فقط من أجل احترام الخصوصيات الدينية والحضارية للأمم والشعوب، وإنما لأجل الحفاظ على الوحدة الداخلية للأنظمة الاجتماعية لهذه الشعوب، وأيضًا لأجل تحقيق تبادل حضاري متكافئ ومنسجم بين الشرق والغرب.

وأخيرًا كنت أتطلع إلى أن يشمل هذا الكتاب (المرجع) للأسرة، أن تبين للأب والأم وللأسرة أن قدوم الطفل إذا كان سببًا في سعادة غامرة للأبوين ولأهليهما، فلا ينبغي أن تتحول هذه السعادة إلى مصدر للإرهاق المادي للأبوين بسبب تكاليف بعض الاحتفالات التي جعلها الشرع من قبيل الأمور المستحبة أو المباحة، واستحسنها للقادرين عليها دون غيرهم، وذلك حتى لا يؤخذ الأمر المباح أو المستحب مأخذ الأمر الواجب أو المسنون، وتكون النتيجة وقوع الفقراء في محظور التكليف بما لا يطاق وهو ممنوع شرعًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى