كلمة فضيلة الامام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.

بسم الله نفتتح هذا الموقع العلمي لرابطة خريجي جامعة الأزهر الشريف وعلمائه في كل أقطار الأرض، من جنوب أفريقيا إلى أوروبا وروسيا شمالًا، ومن الولايات المتحدة الأمريكية غربًا حتى الصين واليابان شرقًا..

وبسم هذه الآلاف المؤلفة من أبناء الأزهر ـ ممن أمكن حصرهم وتسجيل أسمائهم التي بلغت حوالي أربعين ألف اسم ـ أرحب بالسادة الزائرين لهذا الموقع من الباحثين عن حقيقة الإسلام، والراغبين في معرفة علومه وثقافته وحضارته وأخلاقياته، من أقلام متخصصة ومسؤولة، يحملها علماء «الأزهـر»، هذا المعهد العلمي العريق، الذي مضى عليه الآن أكثر من ألف وخمسين عامًا من عمر الزمان، وهو يحمل مسؤولية بيان «الإسلام» كرسالة إلهية ختمت بها الرسالات الإلهية السابقة، ويقع منها موقع الحلقة الأخيرة في سلسلة الدين الإلهي الواحـد الـذي بُـدئ بآدم وخُتم بمحمـد صلى الله عليه وآله وسلم، مرورًا بنـوح وإبراهيـم وموسى وعيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

يهدف هـذا الموقع ـ في المقام الأول ـ إلى تعريف الناس بالإسلام، كما هو في القـرآن الكـريم، وكما بلغه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم للناس، وكحضارة نزلت إلى واقع الناس وأسعدتهم طويلًا في مشارق الأرض ومغاربها، وأسهمت في بناء الحضارات الإنسانية، وتفاعلت معها أخذًا وعطاء، ورفدت ثقافاتها بروافـد هائلة من العلوم والفنون والآداب والفلسفة والتشريع والأخـلاق والرياضة والطـب والفلك والموسيقى، وكنـوز أخرى من التراث القديم والحديث لعلماء الإسـلام ومفكريه.

وهـذا الموقع لا يهدف ـ من قـريب أو بعيد ـ إلى أي غرض آخر غير التعريف الصحيح بالإسلام، ولا يتخطاه إلى أي هدف خارج هذا الإطار، وليس لهذا الموقع أجندة سياسية أو تبشيرية، بل غرضنا الأسمى عرض «الإسـلام» دينًا وحضارة وثقافة عرضًا أمينًا نقيًّا، بعيدًا عن المغالطات والانحرافات العلمية والتاريخية التي تراكمت على صورة الإسلام الأصيلة، وشوهت ـ لدى الكثير من طلاب الحقيقة ـ جوهـر هـذا الدين السمح.

وإن الأزهـر الذى حمل عبء الحفاظ على نقاء الإسلام واعتداله ووسطيته عبر أكثر من عشرة قرون، هو نفسه المرشح الآن ـ وبقوة ـ لأن يواصل هـذه المسيرة، لتوضيح الإسـلام وتوازنه وثبات خطواته وجلاء إسهاماته الخلاقة في كل ميادين العلوم والتطور الحضاري والأخلاقي للإنسانية.

ونحن إذ نفتتح هذا الموقع، نضع نصب أعيننا حدة التوترات التي عادت ـ من جديد ـ في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، وأثّرت سلبًا في أمر العلاقة بين الإسلام والغرب، وصنعت ما يشبه «الهوة» بين الغرب والشرق، أو ما يشبه جدارًا كثيفًا من سوء الظن المتبادل بين الغربيين والمسلمين، وكادت تبعث ما نسيه الناس في الشرق والغرب من صراعات العصور الوسطى وأزمات عهود الاستعمار.

والأزهر بحسبانه المرجعية الكبرى للمسلمين قديمًا وحديثًا هو المؤهل الآن لحمل رسالته الجديدة في التقريب بين الحضارات، وردم هذه الهوة بين الإسلام والغرب، ومد الجسور بين الإنسان وأخيه الإنسان، أيًّا كان موقعه، وكيفما كانت عقيدته ومذهبه، وكائنًا ما كان لونه وعرقه ولغته، فالناس كما يقول نبي الإسلام: «سواسية كأسنان المشط»، وهم أبناء أب واحد وأمٍّ واحدة، وهم إخوة متساوون مخلوقون من نفس واحدة، ومهما تعددت ألوانهم وأجناسهم فإنهم يرجعون فى الأصل إلى هذا الأب الواحد.

والموقع ـ في رؤيته لهذه المساواة ـ إنما ينطلق من الحقيقة القرآنية التي تقرر أنه لا مكان في الإسلام لأي دعوى من دعاوي التمييز أو العنصرية أو التفرقة بين الناس على أساس من الجنس أو اللون، وأن معيار التفاضل في الإسلام منحصر في معيار واحد فقـط هـو: العمـل الصالح المنضبط بضـوابط المسؤولية أمـام الله تعـالى.

?يَا أَيُّهَـا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1].

?يَا أَيُّهَـا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ? [الحجرات: 13].

ولقـد عاش نبي الإسلام ثلاثة وعشرين عامًا يقـرر في وعي المسلمين حقيقة المساواة بين الناس، ويعمقها في نفوسهم، ويرسخها في معاملاتهم مع الآخرين .. وكان التأكيد على المساواة بين الناس من آخر كلماته في خطبته الأخـيرة التي ألقاها على المسلمين في حجة الوداع، والتي بدأها بقوله: «أيهــا الناس: اسمعــوا وعوا فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا .. أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله اتقاكم، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض إلا بالتقوى. ألا هل بلَّغت. اللهم فاشهد. ألا فليبلغ الشاهد الغائب».

أيها الأخ الزائـر: أهـلًا بك مرة أخرى في هـذا الموقع الجـديد، الذى ينطلق من «الأزهـر الشريف»، ويشع من مآذنه وقبابه التي تضـرب بجذورها في أعماق العصـور والأزمـان .. نرحب بك أخًا في الإنسانية، وزميـلًا في العلم والمعرفة، وصديقًا في الحـوار، وشريكًا في تحقيق التواصل بين حضارات الشرق والغرب.

وفقنا الله جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أ.د أحمــــد الطــيب

شيخ الأزهر الشريف

ورئيس مجلس إدارة الرابطة العالمية لخريجي الأزهر

زر الذهاب إلى الأعلى